Tuesday, September 28, 2004

مقابلة

بشرتهُ حنطيةٌ داكنة و على وجهه بقعُ نمشٍ ,عيناه عسليتان حادتان تلمعان بأشعة الشمس لهما بريقٌ ينم عن ذكاء, .شعره بنيّ, صوتُه جهوريٌ عميق, بُنيتُه قويةٌ لصَبي في العاشرة و اسمه قُصَي
.قُصَي معروفٌ في جامعتي- فهي مَنطِقته بناءً على توزيعٍ جغرافي يقوم به المسؤول عنهم
"HB"يتجول بين الكليات يحمل في يده "علبة علكة" نوع
اعتقد أنها صُنِعَت خصيصاً لهذا الغرض فنادراً ما أجدُها بمحلات "السوبر ماركت
يتجه نحو الإناث بصورة مباشرة فلقد حُدِدنَّ له كأولويةٍ
"أقبل نحوي بثيابه المهلهلة و قال" الله يبعتلك عريس و يزوجك اشتري علكة
فهم لم يعلموه أن الإناث هدفٌ سهل و حسب ولكن حَفَّظوه كيف يدخل إليهنّ و بأي جملةٍ يخاطبهنَّ
نظرتُ إليه أشفقتُ عليه و حقدتُ على الظلم و الظالمين- نعم فالعاطفة تغلب على الإناث- و لكنه لم يكن يدري أنني كنت بانتظاره
سألته عن اسمه و عن سنه أجاب ببراءةِ طفلٍ اختفى تحت خشونة ملامحه المحروقة من الشمس, و بدأت حديثي معه أسأله السؤال تلو الآخر و هو يجيب بإجابات يحفظها عن ظهر قلب
"ليش مش بالمدرسة , الأولاد اللي أدك بالمدرسة بتلاءيهم هلاء"
"أنا بشتغل علشان أُمي المريضة اللي بالدار"
"وين أبوك؟ "
" أبوي تركنا و أنا زلمة الدار حَسَّة"
!!زلمة الدار
عبارة قتلنا بها أطفالنا, يرددونها أمامنا دون أن يفهموها و نرددها لهم دون أن ندرك أبعادها
فجلس مقابلي HB "طال الحديث بيننا- حتى انه تعب من الوقوف و معه رفيقته " علبة العلكة
حدثته عن حاضره الحالي, رسمت له صورته و هو يتوسل و يتسول و سألته إلى متى؟
و أخذت أقنعه أن المستقبل الأكيد هو في التعليم و انه إذا أتم دراسته فانه يستطيع بشهادته امتلاك العالم و مساعدة أمه المريضة و ضمان مستقبله, متناسية البطالة التي نواجهها و عزوف المتعلمين عن أعمال معينة و لكني عشت معه الحلم
أما هو فكان يستمع بهدوء أوحى لي أنه مصغٍ و أنه كان ينتظرُ بشغفٍ أن يسمعَ مثل هذا الكلام, يهز برأسه أنه يوافقني الرأي و كأنها إشارة منه أن استمر, فأكملت, و شجعته أن يعود إلى المنزل الآن و يترك تلك العلبة بلا عودة و ينضم إلى صفوف الدراسة في المدارس الحكومية المجانية
في كل هذا لم يقاطعني أحسست بأنه يفهمني و بأنني زرعتُ الثورةَ في قلبه و علّمته أن يقول كلمة "لا" التي أخشاها, أيقنتُ انه سيُغيّر حياته و كأنه إذا فعل غيّرَ حياتي أنا, فأحيانا نأخذ على عاتقنا تخطيط حياة الآخرين فذلك أسهل من التخطيط لحياتنا نحن
ارتسمت ابتسامة على شفتاي شعرت بفرحةٍ و ظننت لوهلة أني أنقذتُ مصيَر إنسان
!!! "قام عن الكرسي و قبل أن يتحرك نظر في عيني و قال لي " طيب اشتري علكة





علكة: لِبان
زلمة: رجل
هلاء= هَسَّة : في الوقت الحالي (الآن) هلاء باللهجة المدنية و هسة بالقروية

2 Comments:

At 2:57 PM, Blogger African Doctor said...

I liked the story very much Petra...
Very sensitive and true! A problem we face everyday in our countries.
Thanks for your beautiful posts.
Also welcoming Gucci and waiting for her contribution!
Africano

 
At 7:13 AM, Anonymous Anonymous said...

A very nicely told real story... I liked its simplicity which hides a deeper underlying meaning, and its irony which is funny and sad at the same time.
Thx so much Petra for the nice post

 

Post a Comment

<< Home